دور المنظمات الأهلية بالتمكين الاقتصادي والتنموي[1] ,,,بقلم :محسن ابو رمضان

الخميس 10 نوفمبر 2016 04:31 م / بتوقيت القدس +2GMT
دور المنظمات الأهلية بالتمكين الاقتصادي والتنموي[1]  ,,,بقلم :محسن ابو رمضان



يعاني قطاع غزة كجزء من المجتمع الفلسطيني من ظروف اقتصادية واجتماعية بالغة الصعوبة ، وذلك بسبب الحصار الذي فرضه الاحتلال في منتصف حزيران / 2007 ، واعلان قطاع غزة كيان معادٍ في سبتمبر/ 2007 تم من خلالها السماح ب 33 سلعة من اصل 9000 سلعة لدخول قطاع غزة مع استمرار منع التصدير إلا بوتائر قليلة وبأوقات موسمية .

تعرض قطاع غزة إلى  ثلاثة عمليات عسكرية عدوانية واسعة " 2008 - 2009 ، 2014،2012 ".

استهدفت به إلى جانب البشر ، البنية التحتية ، المرافق الانتاجية ، المساكن ، المنشآت، المؤسسات ، والمصانع ، والمزروعات وشبكات المياه والأراضي الزراعية سواءً المكشوفة أو الحمامات الزراعية ، إلى جانب استهداف قطاع الصيد والصيادين .

اقتطعت دولة الاحتلال منطقة محظورة الدخول على الحدود الشرقية الشمالية من قطاع غزة إلى جانب حصار البحر من خلال منع الصيادين للصيد إلا لمساحة لا تتعدى ال 6 اميال على أحسن التقديرات مع استمرار تعرض الصيادين وسفنهم إلى اطلاق النار والاعتقال إلى جانب استهداف عشرات المزارعين على الحدود .

تراجعت القطاعات الاقتصادية الانتاجية جراء سياسة الحصار حيث انخفضت مساهمة كل من قطاعي الزراعة والصناعة بالناتج المحلي الاجمالي وقد فاقم ذلك ازمتي انقطاع التيار الكهربائي إلى جانب تقنين سياسة التصدير .

حولت دولة الاحتلال قطاع غزة إلى سوق استهلاكي للبضائع الاسرائيلية، حيث تصدر له اكثر من 2 مليار $ سنوياً ، وبسبب تعطل ديناميات الانتاج وتكدس عدد الخريجين حيث يتخرج من الجامعات حوالي 18 ألف خريج سنوياً ، زادت معدلات البطالة بين صفوف الشباب وأصحبت الأكبر بالعالم بنسبة 60% و الفقر العام بنسبة 65% والفقر الشديد بنسبة 30% كما اصبح 80% من المواطنين يعتمدوا على المساعدات الغذائية التي تقدمها الأونروا وغيرها من وكالات الاغاثة الدولية .

أدت حالة الانقسام إلى ازدياد الأوضاع الاقتصادية تعقيداً من خلال غياب التشريعات والقوانين والسياسات التنموية التكاملية الموحدة ما بين غزة والضفة ، كما ادت إلى غياب الشراكة ليس فقط في اطار المؤسسة الوطنية الجامعة " التشريعي " و" الحكومة " ولكن ايضاً فيما يتعلق بالعلاقة ما بين كل من القطاع الخاص والمنظمات الأهلية والحكومة بوصفهم اللاعبين المركزيين بالعملية التنموية .

لقد ادى الانقسام إلى ضعف القدرة على التأثير بالسياسات العامة وفي منظومة التشريعات وبالتالي فقد اخذت التشريعات والسياسات منحى انقسامي لا يعتمد المشاركة حيث أدى ذلك إلى  السير وفق رؤية الحزب الحاكم بما قلص من المساحة الضرورية للمجتمع المدني التي من الهام ان تعكس رؤى وتطلعات مصالح الفقراء والمهمشين ، علماً بأن احد نتائج الانقسام تكمن في غياب سياسات تؤدي إلى اندماج البنية الاقتصادية بين الضفة والقطاع بوصفهم اراضي الدولة       الفلسطينية المستقلة المنشودة، حيث اصبح هناك بنيتين اقتصاديتين مختلفتين عن بعضهما البعض يتم ادارتهما بصورة مختلفة وفق قرارات وقوانين ليست موحدة أو متجانسة .

وبالوقت الذي عانى به القطاع من سياسة العدوان والحصار والانقسام فإنه عانى كذلك من توجه بعض المنظمات الدولية غير الحكومية التي انتشرت بصورة كبيرة بالقطاع وخاصة بعد مؤتمر شرم الشيخ الذي عقد في 2/مارس/2009 بعد انتهاء العدوان على القطاع والذي تعهد بحوالي 5 مليار $ لاعادة اعمار قطاع غزة ، حيث فتحت العديد من هناك المنظمات فروعاً لها بالقطاع وأصبحت تحدد الأولويات والاحتياجات وتنفذ المشاريع بصورة مباشرة دون الشراكة مع منظمات العمل الأهلي والتي تعمل بذات القطاع الأمر الذي اثر على فرص تمويل المنظمات الأهلية وإلى جفاف اموال مئات المنظمات القاعدية ايضاً، علماً بأن آلية التنسيق القطاعية "Clusters  " اصبحت تقودها وتحدد مسارها واتجاهات عملها المنظمات الدولية ذاتها بمشاركة كافة المنظمات بما في ذلك المنظمات الأهلية ،حيث ان الاصل كان يقضى بقيادة المنظمات الأهلية لهذه القطاعات لأنها الأقدر على تحديد الأولويات والمسارات والأكثر قرباً من هموم وتطلعات الفئات الاجتماعية المهمشة .

لعبت المنظمات الأهلية دوراً كبيراً اثناء الحصار والعدوان يمكن تلخيصه في تقديم الخدمات والبرامج الاغاثية للفئات الاجتماعية المهمشة والمتضررة ، إلى جانب ربطها ما بين الاغاثة والتنمية ، بالإضافة إلى التأثير بالحيز العام عبر آليات الضغط والتأثير باتجاه انهاء الحصار والانقسام وبناء نظام فلسطيني ديمقراطي تعددي يعتمد الانتخابات الدورية وفق قانون التمثيل النسبي الكامل إلى جانب عملها مع الفئات الاجتماعية المختلفة باتجاه تمكينها تنموياً ومعرفياً مثل  " الشباب ، المرأة ، ذو الاعاقة ، المزارعين " بالإضافة إلى العمل بالقطاعات الاجتماعية الهامة مثل الزراعة ،الثقافة ، التعليم، الصحة، التأهيل " .

انتقدت المنظمات الأهلية آلية الرقابة على عملية اعادة اعمار قطاع غزة واعتبرته ماسسة للحصار ، حيث تشترط الآلية الشروط الاحتلالية بدلاً من حق شعبنا بالاعمار والتنمية بالاستناد إلى القوانين الدولية واقترحت الغاء هذه الرقابة المقيتة التي إذا ما استمرت فإنها ستؤدي إلى تنفيذ عملية الاعمار لنتائج عدوان 2014 فقط مدة 25 عام حسب تقرير اوكسفام .

كما طالبت بتشكيل هيئة مستقلة تتكون من ممثلي الحكومة على المستوى التقني والقطاع الخاص والمنظمات الأهلية للتخطيط والاشراف على عملية اعادة الاعمار إلى جانب ضرورة تعزيز الدور الرقابي باتجاه تعزيز الشفافية في هذا المسار .

بعد عامين على العدوان ما زال 65 ألف اسرة مشردة ولا تستطيع العودة إلى منازلها المدمرة ، وقد تم اعمار 11% فقط من البيوت المدمرة كلياً ،49% من البيوت المدمرة جزئياً، علماً بأنه لم يصل من تعهدات المانحين اكثر من 36% ولم يترجم منها على الارض على شكل برامج لإعادة الاعمار اكثر من 16% " حسب تقرير البنك الدولي سبتمبر 2016 "  علماً بأن المبلغ الذي تعهد به المانحين من خلال مؤتمر اعادة الاعمار الذي عقد بالقاهرة بتاريخ 12/ اكتوبر /2014 هو 5.4 مليار$ خصص منها النصف لعملية اعادة اعمار قطاع غزة والنصف الثاني لدعم موازنة السلطة .

لقد افرزت الأوضاع في قطاع غزة العديد من الظواهر الاجتماعية والناتجة عن تدهور الاوضاع الاقتصادية ابرزها ظاهرتي البطالة و الفقر إلى جانب الرغبة بالهجرة ، والتوجه نحو التطرف وأعمال الجريمة بالإضافة لثقافة الاقصاء وعدم التسامح وتقبل الآخر إلى جانب الاحباط والانكفاء على الذات بالإضافة إلى عمالة الاطفال والتسول ، والزواج المبكر، العنوسة وحرمان المرأة من الميراث والعنف الموجه ضدها واقصائها من عملية المشاركة بالأطر المشتركة سواءً بالإعمار أو المصالحة المجتمعية أو بالحوارات الوطنية .

لكي تستطيع المنظمات الأهلية تقوية دورها بالمجال الاقتصادي والتنموي فهي بحاجة إلى زيادة التنسيق بينها وتعميق الرؤية المشتركة الخاصة بطبيعة المرحلة بما أنها ما زالت مرحلة تحرر وطني تتطلب توفير مقومات الصمود والبقاء والاستمرارية " Resilience " رغم العدوان والحصار وبحاجة إلى زيادة البرامج الخاصة بالتمكين الشبابي خاصة التمكين الاقتصادي عبر دعم المشاريع الريادية الصغيرة ومتناهية الصغر إلى جانب الضغط لربط مخرجات التعليم بمدخلات التنمية بالإضافة إلى تعزيز التمويل التضامني المبني على فكرة الحقوق عبر العلاقة مع قوى التضامن الشعبي الدولي لفضح الممارسات الاحتلالية وتعزيز العزل لدولة الاحتلال كدولة استيطان وتميز عنصري وتفرض عقاباً جماعياً على شعبنا عبر الحصار بالإضافة إلى التأثير بأجندة التمويل والسياسات بما ينسجم مع مصالح وتطلعات الفئات الاجتماعية المهمشة والفقيرة حيث  يجب ان يدفع ذلك باتجاه انهاء الانقسام وتحقيق نظام ديمقراطي تعددي مبني على  الانتخابات الدورية وفق قانون التمثيل النسبي الكامل لتعزيز المشاركة وتغيب الاقصاء و ترسيخ مرتكزات الحكم الديمقراطي الرشيد .

حتى تتحسن الأوضاع الاقتصادية والتنموية بالقطاع لا بد من احداث متغيرات باتجاه انهاء الحصار المفروض من قبل الاحتلال والرامي إلى فصل القطاع عن الضفة ، حيث ان التكامل الاقتصادي بالمجالات الزراعية والحرفية والصناعية ستؤدي إلى تحقيق تقدم اقتصادي إلى جانب تعزيز العلاقة الفلسطينية المصرية من خلال تنشيط عملية التبادل التجاري المصري الفلسطيني عبر تشجيع المشاريع المشتركة وقدوم الشركات والمواد الاستثمارية والانشائية من مصر للعمل في القطاع وذلك بدلاً من المواد التي تأتي من دولة الاحتلال حيث اصبح الاحتلال وشركاته يتربح على حساب دمار قطاع غزة من خلال تصدير الاسمنت والحديد والحصمة وغيره .

إن تنشيط التبادل التجاري سيؤدي إلى فتح فرص عمل وابتكار اعمال نوعية جديدة خاصة لدى جيل الشباب بالمجالات المختلفة ومنها المجال التكنولوجي ، كما سيؤدي إلى تقدم الاوضاع الاقتصادية في سيناء ايضاً .

إذا تصورنا تشغيل ميناء ومطار العريش للتصدير والاستيراد من قطاع غزة فإن ذلك سيؤدي إلى فتح آلاف فرص العمل ، وسيؤدي إلى تفعيل عملية التصدير للمنتجات الفلسطينية عبرها إلى العالم وخاصة المنتجات الزراعية وبعض المنتجات الأخرى مثل النسيج والاخشاب والاثاث والتي ستصبح بعد ساعات في اسواق اوروبا الأمر الذي سيحقق الفائدة للشركة الفلسطينية أو المصرية أو لشركة مشتركة بدلاً من استفادة شركة التصدير الاسرائيلية .

من المجدي التفكير بإنشاء منطقة تجارية حرة على الحدود المشتركة المصرية الفلسطينية وفي ظل وجود حكومة وحدة وطنية فلسطينية ، حيث سيؤدي ذلك إلى تشجيع قدوم شركات الاستثمار العربية والعالمية وامكانية اقامة منطقة صناعية مشتركة بما سيفتح الآفاق لتنفيذ المشاريع الاستثمارية والتنموية الضرورية والمفيدة والتي ستعمل على تقليص نسب الفقر والبطالة .

إن تعزيز العلاقات الاقتصادية الفلسطينية  سيؤدي إلى منفعة مشتركة للطرفين وسيرفع من حجم التبادل التجاري إلى حوالي 6 مليار $ بما سيساهم في توفير مناخات لمكافحة الفقر وتعزيز التنمية وتقليص حجم البطالة الأمر الذي سينعكس على المناخ الثقافي الذي سيصبح مستنداً إلى القيم الحضارية والديمقراطية والانسانية والتسامح ، بدلاً من مفاهيم الاقصاء والتطرف.

إن التسهيلات بما يتعلق بالحركة ستؤدي إلى توثيق علاقات المنظمات الأهلية مع نظيراتها العالمية بهدف المساهمة في تمكينها على قاعدة تساهم في تعزيز برامجها التنموية وبما يعمل على تعزيز عمليات الاعتماد على الذات بدلاً من الاعتماد على الكوبونة والمساعدة الاغاثية الانسانية ، كما سيعمل على رفع درجة التضامن مع شعبنا عبر هذه الجمعيات لزيادة أدوات الضغط والتأثير على حكومات بلدان العالم للضغط على دولة الاحتلال باتجاه انهاؤه وكسر الحصار والسماح بحرية الحركة للبضائع والافراد وبما يعزز من التضامن مع حقوق شعبنا العادلة والمشروعة .

 إن تواصل المنظمات الأهلية مع نظيراتها العربية والعالمية سيعمل على تجاوز حالة الانعزال والتهميش التي تعيشها حيث الاستفادة من التجارب إلى جانب مواكبة الأجندة الدولية للتنمية مثل اهداف الانمائية 2030 وبرامج مكافحة الفقر والتمكين الاقتصادي للفئات الاجتماعية الضعيفة وخاصة للشباب والمرأة .... إلخ بما سيؤدي إلى ادماج الاجندة الدولية بالبيئة المحلية وبما يساهم في بلورة برامج وسياسات مكافحة الفقر ومعززة للتنمية الانسانية المستدامة .

 

[1] القيت في ورشة العمل المنظمة من قبل المركز القومي لدراسات الشرق الاوسط والتي عقدت بتاريخ 7/11/2016 في عين السخنة في مصر